أسباب رائحة العرق تحت الإبط

أسباب رائحة العرق تحت الإبط

رائحة العرق تحت الإبط تُعد من أكثر المشاكل شيوعًا التي يواجهها الإنسان في حياته اليومية، وتُعتبر مصدرًا للإزعاج والإحراج في الكثير من الحالات الاجتماعية والمهنية. رغم أن التعرق بحد ذاته عملية طبيعية وضرورية لتنظيم حرارة الجسم، إلا أن الرائحة الكريهة التي قد تصاحب هذا التعرق غالبًا ما ترتبط بعوامل بيولوجية وبيئية معقدة. تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى صدور رائحة غير مرغوبة من الإبطين، وتتنوع بين الأسباب الفسيولوجية المرتبطة بتركيب الجسم والهرمونات، والأسباب البيئية المرتبطة بالنظافة والعادات اليومية، بالإضافة إلى أسباب مرضية وأخرى تتعلق بنوعية النظام الغذائي والمستحضرات المستخدمة.

في هذا المقال الموسع، سيتم التطرق بشكل علمي دقيق ومفصل إلى الأسباب المختلفة لرائحة العرق تحت الإبط، مع التركيز على الجوانب الطبية والفسيولوجية والسلوكية التي تؤثر في تكوين هذه الرائحة.

أولًا: التركيبة الفسيولوجية لغدد التعرق

الجسم البشري يحتوي على نوعين رئيسيين من الغدد العرقية:

1. الغدد الإفرازية (Eccrine glands):
   توجد في معظم أنحاء الجسم، وتفرز العرق الذي يتكون أساسًا من الماء والأملاح المعدنية، وهو عديم الرائحة. وظيفتها الأساسية تبريد الجسم.

2. الغدد المفرزة (Apocrine glands):
   تتركز في مناطق معينة مثل الإبطين والفخذين وحول الأعضاء التناسلية، وتفرز عرقًا يحتوي على البروتينات والدهون. هذا النوع من العرق هو المسؤول الرئيسي عن رائحة الجسم الكريهة لأنه يصبح بيئة مثالية لنمو البكتيريا.

ثانيًا: دور البكتيريا في رائحة العرق

رائحة العرق الكريهة لا تنبع في الغالب من العرق نفسه، بل من تفاعل البكتيريا مع المواد العضوية التي تفرزها الغدد المفرزة. فالبكتيريا المتواجدة على سطح الجلد، خصوصًا تلك من نوع Corynebacterium، تقوم بتحليل البروتينات والدهون الموجودة في العرق، مما ينتج عنه مركبات كيميائية طيارة ذات روائح نفاذة وكريهة مثل:

• حمض الإيزوفاليريك (Isovaleric acid)

• مركبات الكبريت

• الأمينات المتطايرة (Volatile amines)

ثالثًا: العوامل المؤثرة في رائحة العرق تحت الإبط

1. الوراثة والجينات

تُعد الجينات عاملاً رئيسيًا في تحديد تركيب العرق وكمية إفرازه. بعض الأشخاص يمتلكون استعدادًا وراثيًا لإنتاج مواد كيميائية في عرقهم أكثر قابلية للتحلل البكتيري، مما يؤدي إلى رائحة أقوى.

2. التغيرات الهرمونية

الهرمونات تلعب دورًا جوهريًا في نشاط الغدد العرقية، خاصة الغدد المفرزة. فخلال فترات البلوغ، الحمل، الحيض أو انقطاع الطمث، يزداد النشاط الهرموني، ما يرفع من إفرازات الغدد العرقية ويزيد احتمال ظهور الرائحة الكريهة.

3. النظافة الشخصية

قلة الاستحمام أو عدم تنظيف منطقة الإبطين بانتظام يؤدي إلى تراكم العرق والبكتيريا، مما يعزز من فرص ظهور رائحة كريهة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحلاقة غير المنتظمة أو وجود شعر كثيف تحت الإبط يخلق بيئة دافئة ورطبة للبكتيريا.

4. نوعية النظام الغذائي

بعض الأطعمة تؤثر بشكل مباشر في رائحة الجسم، خاصة الأطعمة التي تحتوي على الكبريت مثل:

5. استخدام مستحضرات غير مناسبة

بعض أنواع مزيلات العرق أو مضادات التعرق قد لا تكون فعالة، أو قد تتسبب في تهيج الجلد وزيادة إفرازات الغدد، مما يزيد من الرائحة الكريهة. كما أن استخدام مزيلات تحتوي على عطور قوية قد تتفاعل مع مكونات العرق لتكوّن روائح غير محبذة.

6. الإجهاد والقلق

التوتر النفسي والعاطفي يؤثران في نشاط الجهاز العصبي الودي، مما يؤدي إلى زيادة التعرق، خاصة من الغدد المفرزة، وبالتالي ارتفاع احتمال ظهور رائحة العرق غير المرغوبة.

رابعًا: الأسباب الطبية لرائحة العرق الكريهة

1. فرط التعرق (Hyperhidrosis)

هو حالة مرضية تؤدي إلى التعرق المفرط، وقد يكون موضعيًا أو عامًا، ويزيد من كمية العرق، وبالتالي من فرص تراكم البكتيريا والرائحة الكريهة.

2. البرومهيدروز (Bromhidrosis)

هو اضطراب جلدي يتسبب في صدور رائحة كريهة من العرق، رغم عدم وجود زيادة كبيرة في التعرق. يعود السبب غالبًا إلى خلل في الفلورا الجلدية أو في تركيب الغدد العرقية.

3. السكري

ارتفاع مستويات السكر في الدم يؤثر على عملية الأيض، وقد يؤدي إلى خروج مركبات مثل الكيتونات عبر العرق، مما يسبب رائحة حامضية أو شبيهة بالفواكه الفاسدة.

4. مشكلات الكبد والكلى

عند فشل الكبد أو الكلى في التخلص من السموم، يمكن أن تخرج بعض النفايات الأيضية عبر الجلد، ما يؤدي إلى روائح غير طبيعية.

5. العدوى الفطرية أو البكتيرية

التهابات الجلد، سواء الفطرية أو البكتيرية، في منطقة الإبط قد تؤدي إلى إنتاج روائح كريهة نتيجة لتكاثر الكائنات الدقيقة وتحلل إفرازات الجلد.

خامسًا: عوامل بيئية وسلوكية إضافية

1. الملابس

الملابس المصنوعة من الألياف الصناعية لا تسمح بتهوية جيدة، مما يؤدي إلى احتباس الحرارة والرطوبة، وبالتالي خلق بيئة مناسبة لنمو البكتيريا. الملابس الضيقة وغير النظيفة أيضًا تساهم في تفاقم المشكلة.

2. المناخ

الحرارة والرطوبة العالية ترفع من معدلات التعرق بشكل عام، ومع قلة التهوية أو النظافة الشخصية، ترتفع احتمالية ظهور رائحة كريهة.

3. استخدام منتجات تجميل غير صحية

بعض الكريمات أو مستحضرات التجميل التي تحتوي على مواد كيميائية قد تتسبب في انسداد الغدد العرقية أو تحفيز إفراز دهون ومركبات تتفاعل مع البكتيريا.

سادسًا: تركيب العرق الكيميائي وتحلله

العرق المفرز من الغدد المفرزة يحتوي على مكونات عضوية معقدة، من أهمها:

• الأحماض الدهنية

• البروتينات

• الستيرويدات

• مركبات الأمونيا

عندما تقوم البكتيريا على الجلد بتحليل هذه المواد، ينتج عنها:

سابعًا: الفروق بين الجنسين في رائحة العرق

تشير الدراسات إلى وجود فروق بيولوجية في رائحة العرق بين الذكور والإناث، حيث:

• الرجال يميلون لإنتاج عرق يحتوي على كميات أعلى من البروتينات، ما يجعله أكثر قابلية للتحلل البكتيري.

• النساء يفرزن كميات أقل من العرق لكنهن يعانين من روائح أكثر تنوعًا بسبب تغيرات هرمونية أكبر على مدار الدورة الشهرية.

• استخدام العطور أو مستحضرات التجميل من قبل الإناث قد يخفي الرائحة ولكن لا يمنع تكوّنها من المصدر.

ثامنًا: المراجع العلمية

• James J. Leyden. (2005). “Biology of sweat glands and body odor.” J Invest Dermatol.

• Shelly W.B., Hurley H.J. (1974). “Axillary odor: Experimental study of the role of bacteria, apocrine sweat, and deodorants.” Arch Dermatol.

رائحة العرق تحت الإبط ليست مشكلة سطحية كما قد تبدو، بل تعكس تفاعلًا معقدًا بين مكونات الجسم الداخلية والعوامل الخارجية. فهم أسباب هذه الظاهرة بدقة يُعد الخطوة الأولى نحو التعامل الفعّال معها، سواء من خلال تبني عادات صحية، أو اللجوء إلى العلاجات الطبية المناسبة عند الحاجة.